سورة النور - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


قوله تعالى: {في بُيُوتٍ} قال الزجاج: {في} مِن صلةِ قوله: {كمشكاة}، فالمعنى: كمشكاة في بيوت؛ ويجوز أن تكون متصلة بقوله: {يسبِّح له فيها} فتكون فيها تكريراً على التوكيد؛ والمعنى: يسبِّح لله رجال في بيوت.
فان قيل: المشكاة إِنما تكون في بيت واحد، فكيف قال: {في بيوت}؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أنه من الخطاب المتلوِّن الذي يُفتح بالتوحيد ويُختم بالجمع، كقوله تعالى: {يا أيها النبيُّ إِذا طلَّقتم النساء} [الطلاق: 1].
والثاني: أنه راجع إِلى كل واحد من البيوت، فالمعنى: في كل بيت مشكاة. وللمفسرين في المراد بالبيوت هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها المساجد، قاله ابن عباس، والجمهور.
والثاني: بيوت أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد.
والثالث: بيت المقدس، قاله الحسن.
فأما {أَذِنَ} فمعناه: أَمَر. وفي معنى {أن تُرْفَع} قولان:
أحدهما: أن تعظَّم، قاله الحسن، والضحاك.
والثاني: أن تُبْنَى، قاله مجاهد، وقتادة. وفي قوله: {ويُذْكَرَ فيها اسمُه} قولان:
أحدهما: توحيده، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: يُتلى فيها كتابُه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
قوله تعالى: {يُسَبّح} قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {يُسَبِّح} بكسر الباء؛ وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: بفتحها. وقرأ معاذ القارئ، وأبو حيوة: {تُسَبِّحُ} بتاء مرفوعة وكسر الباء ورفع الحاء.
وفي قوله: {يُسَبِّح له فيها} قولان:
أحدهما: أنه الصلاة. ثم في صلاة الغُدُوِّ قولان.
احدهما: أنها صلاة الفجر، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: صلاة الضحى، روى ابن أبي مُلَيكة عن ابن عباس قال: إِن صلاة الضحى لفي كتاب الله، وما يغوص عليها إِلاغوّاص، ثم قرأ: {يُسَبِّح له فيها بالغدوّ والآصال}. وفي صلاة الآصال قولان:
أحدهما: أنها صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قاله ابن السائب.
والثاني: صلاة العصر، قاله أبو سليمان الدمشقي.
والقول الثاني: أنه التسبيح المعروف، ذكره بعض المفسرين.
قوله تعالى: {رجال لا تُلْهِيهم} أي: لا تَشْغَلُهم {تجارة ولا بيع} قال ابن السائب: التُّجَّار: الجلاّبون، والباعة: المقيمون. وقال الواقدي: التجارة هاهنا بمعنى الشراء. وفي المراد بذِكْر الله ثلاثة أقوال.
أحدها: الصلاة المكتوبة، قاله ابن عباس، وعطاء. وروى سالم عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة، فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت {رجال لا تُلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكْر الله}.
والثاني: عن القيام بحق الله، قاله قتادة.
والثالث: عن ذِكْر الله باللسان، ذكره أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {وإِقامِ الصلاة} أي: أداؤها لوقتها وإِتمامها.
فان قيل: إِذا كان المراد بذِكْر الله الصلاة، فما معنى إِعادتها؟
فالجواب: أنه بيَّن أنهم يقيمونها بأدائها في وقتها.
قوله تعالى: {تَتَقَلَّبُ فيه القلوب والأبصار} في معناه ثلاثة أقوال.
أحدها: أن من كان قلبه مؤمنا بالبعث والنشور، ازداد بصيرة برؤية ما وُعِد به؛ ومن كان قلبه على غير ذلك، رأى ما يوقِن معه بأمر القيامة، قاله الزجاج.
والثاني: أن القلوب تتقلَّب بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك، والأبصار تتقلَّب، تنظر من أين يؤتَون كتبهم، أَمِنْ قِبَل اليمين، أم مِنْ قِبَل الشمال؟ وأي ناحية يؤخذ بهم، أذات اليمين، أم ذات الشمال؟ قاله ابن جرير.
والثالث: تتقلَّب القلوب فتبلغ إِلى الحناجر، وتتقلَّب الأبصار إِلى الزَّرَق بعد الكَحَل والعمى بَعْدَ النَّظر.
قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُم} المعنى: يسبِّحون الله ليَجزيَهم {أَحْسَنَ ما عملوا} أي: ليجزيهم بحسناتهم، فأما مساوئهم فلا يَجزيهم بها {ويَزِيدَهم من فضله} مالم يستحقُّوه بأعمالهم {والله يرزق من يشاء بغير حساب} قد شرحناه في [آل عمران: 27].


ثم ضرب الله مثلاً للكفار فقال: {والذين كفروا أعمالهُم كسراب} قال ابن قتيبة: السراب: ما رأيته من الشمس كالماء نصف النهار، والآل: ما رأيته في أول النهار وآخره، وهو يرفع كل شيء، والقِيعة والقاع واحد. وقرأ أُبيُّ ابن كعب، وعاصم الجحدري، وابن السميفع: {بِقِيعات}. وقال الزجاج: القيعة: جمع قاع، مثل جارٍ وجيرة، والقيعة والقاع: ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبات، فالذي يسير فيه يرى كأن فيه ماءً يجري، وذلك هو السراب، والآل مثل السراب، إِلا أنه يرتفع وقت الضحى- كالماء- بين السماء والأرض، يحسبه الظمآن وهو الشديد العطش ماءً، حتى إِذا جاء إٍلى موضع السراب رأى أرضاً لا ماء فيها، فأعلم الله أن الكافر الذي يظن أن عمله قد نفعه عند الله- كظن الذي يظن السراب ماءً- وعملُه قد حبط.
قوله تعالى: {ووجد اللّهَ عنده} أي: قَدِم على الله {فوفّاه حسابَه} أي: جازاه بعمله؛ وهذا في الظاهر خبر عن الظمآن، والمراد به الخبر عن الكافر.
قوله تعالى: {والله سريع الحساب} مفسَّر في [البقرة: 202].
قوله تعالى: {أو كظلمات} في هذا المثل قولان:
أحدهما: أنه لعمل الكافر، قاله الجمهور، واختاره الزجاج.
والثاني: أنه مَثَل لقلب الكافر في أنه لا يَعْقِل ولا يُبْصِر، قاله الفراء. فأما اللُّجِّيّ، فهو العظيم اللُّجَّة، وهو العميق {يغشاه} أي: يعلو ذلك البحرَ {موجٌ من فوقه} أي: من فوق الموج موج، والمعنى: يتبع الموج موج، حتى كان بعضه فوق بعض، {من فوقه} أي: من فوق ذلك الموج {سحاب}.
ثم ابتدأ فقال: {ظلماتٌ} يعني: ظلمة البحر، وظلمة الموج الأول، وظلمة الموج الذي فوق الموج، وظلمة السحاب. وقرأ ابن كثير، وابن محيصن: {سحابُ ظلماتٍ} مضافاً {إِذا أخرج يده} يعني: إِذا أخرجها مُخرِجٌ، {لم يكد يراها} فيه قولان:
أحدهما: أنه لم يرها، قاله الحسن، واختاره الزجاج. قال: لأن في دون هذه الظلمات لا يرى الكفّ؛ وكذلك قال ابن الأنباري: معناه: لم يرها البتَّة، لأنه قد قام الدليل عند وصف تكاثف الظلمات على أن الرؤية معدومة، فبان بهذا الكلام أن {يَكَد} زائدة للتوكيد، بمنزلة ما في قوله: {عمَّا قليلٍ ليُصْبِحُنَّ نادمِين} [المؤمنون: 40].
والثاني: أنه لم يرها إِلا بعد الجهد، قاله المبرِّد. قال الفراء: وهذا كما تقول: ما كدت أبلغ إِليك، وقد بلغتَ، قال الفراء: وهذا وجه العربية.
فصل:
فأما وجه المَثَل، فقال المفسرون: لمّا ضَرب اللّهُ للمؤمن مَثَلاً بالنُّور، ضَرب للكافر هذا المثل بالظلمات؛ والمعنى: أن الكافر في حيرة لا يهتدي لرشدٍ. وقيل: الظُّلمات: ظُلمة الشِّرك وظُلمة المعاصي. وقال بعضهم: ضربَ الظلمات مثلاً لعمله، والبحر اللُّجِّيّ لقلبه، والموج لِما يغشى قلبه من الشِّرك والجهل والحيرة، والسحاب للرَّيْن، والخَتْم على قلبه، فكلامه ظُلمة، وعمله ظُلمة، ومدخله ظُلمة، ومخرجه ظُلمة، ومصيره إِلى الظُّلمات يوم القيامة.
قوله تعالى: {ومن لم يَجْعَلِ اللّهُ له نُوراً} فيه قولان:
أحدهما: دِيناً وإِيماناً، قاله ابن عباس، والسدي.
والثاني: هداية، قاله الزجاج.


قوله تعالى: {ألم تَرَ أنَّ الله يُزْجِي سحاباً} أي: يسوقه {ثم يؤلِّف بينه} أي: يضم بعضه إِلى بعض، فيجعل القِطَع المتفرِّقة قطعة واحدة. والسحاب لفظه لفظ الواحد، ومعناه الجمع، فلهذا قال: {يؤلِّف بينه ثم يجعلُه رُكاماً} أي: يجعل بعض السحاب فوق بعض {فترى الوَدْقَ} وهو المطر. قال الليث: الوَدْقُ: المطر كُلُّه شديدُه وهيِّنُه.
قوله تعالى: {مِن خِلاله} وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو العالية، ومجاهد، والضحاك: {من خَلَلهِ}. والخِلال: جمع خَلَل، مثل: جبال وجبل. {وينزِّل من السماء} مفعول الإِنزال محذوف، تقديره: وينزِّل من السماء من جبال فيها من بَرَدٍ بَرَداً، فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه. و{مِنْ} الأولى، لابتداء الغاية، لأن ابتداء الإِنزال من السماء، والثانية، للتبعيض، لأن الذي ينزله الله بعض تلك الجبال، والثالثة، لتبيين الجنس، لأن جنس تلك الجبال جنس البَرَد؛ قال المفسرون: وهي جبال في السماء مخلوقة من بَرَد. وقال الزجاج: معنى الكلام: وينزِّل من السماء من جبال بَرَد فيها، كما تقول: هذا خاتم في يدي من حديد، المعنى: هذا خاتم حديد في يدي.
قوله تعالى: {فيُصيب به} أي: بالبَرَد {من يشاء} فيضرُّه في زرعه وثمره. والسنا: الضوء، {يَذْهَبُ} وقرأ مجاهد، وأبو جعفر: {يُذْهِبُ} بضم الياء وكسر الهاء. {يقلِّب اللّهُ الليل والنهار} أي: يأتي بهذا، ويذهب بهذا، {إِنَّ في ذلك} التقلُّب {لعبرةً لأولي الأبصار} أي: دلالة لأهل البصائر والعقول على وحدانية الله وقدرته.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8